معاناة مريرة تتكبّدها أسرة الشاب المولود سنة ١٩٩٨، أيمن الوهباني، الذي وقع ذات يوم في قبضة خاطفيه، أمّا منشورات شقيق الضحية، فواز محمد الوهباني، التي ينشرها على صفحته في الفيسبوك، فتطفح بالألم ويملؤها الوضوح والأسى، وهو على الدوام لا يكفُّ عن تذكير المجتمع الحقوقي بقضية أخيه الذي ضاعت حياته ظُلمًا وقهرًا على أيدي أفراد يرتدون الزي العسكري.
لم يكن أيمن يعرف أنه خرج هذه المرة من منزلهم إلى دون رجعة، ولم يكن يتصور أن اختطافه سيكون على يد مَن يُفترَض بهم أن يحموا المواطنين، خصوصا وأنهم تابعون للقطاع العسكري في المدينة حسب أقارب الضحية، ولكن القدر كان مُعاكِسًا لجميع أمنيات وآمال هذا الشاب المغلوب على أمره، فكان الموت هو الخاتمة القاسية، وبقية التفاصيل لا تخلو من المرارات والدموع والوعود الكاذبة.
فلا غرابة إذَنْ ونحن نتابع تفاصيل حادثة أليمة من هذا النوع؛ إذ إنّ اليمن منذُ اندلاع الحرب في العام ٢٠١٤ تتعرض فيها حقوق الإنسان لانتهاكات واعتداءات من كل شكل ولون، وتزداد هذه الممارسات اللإنسانية المخيفة كلما طال أمد الحرب، وأما الذين يتكبدون نتائج هذا الصراع الدموي فَهُمْ أولئك الأبرياء من المواطنين الذين لا حول لهم ولا حماية تقيهم لدغات المخاطر المُحدِقة بهم من جميع الجهات.
في السابع والعشرين من نوفمبر عام ٢٠١٩ خرج أيمن محمد الوهباني من منزل أسرته وتم اختطافه من منطقة "الجَهْوَري" في محافظة تعز من قبل أفراد تابعين لمحور تعز العسكري، وإيداعه في سجن المحور، بلا تهمة تُذكَر، بحسب معلومات أخيه السالف الذكر، يقع السجن في مدرسة سبأ في المدينة، وهي المدرسة التي تحولت إلى مقر عسكري خاص بقيادة المحور وأفرادها، ولكنه سجن غير قانوني البتة، كما توجد سجون سرية أخرى في أماكن غير معروفة من المدينة بحسب تقارير صحفية محلية ودولية.
لقد عانى أيمن من سوء المعاملة والتعذيب النفسي والجسدي، والأنكى من ذلك أنه لم يعرف ما هي تهمته بالضبط، ولم يتم إطلاق سراحه قط، كما لم يُسمح له أن يتواصل بأسرته عبر الهاتف، بل حين خرج من دائرة الاحتجاز خرج ميّتًا بعد ٢٨ يومًا من تاريخ اختطافه، وهذه الجريمة الشنعاء قد حدثت تحت عيون قيادة المحور وهي الجهة المسؤولة عن وفاة الضحية، وأسرة الضحية تتهمها بارتكاب هذه الجريمة بحق ابنها، ولكن هذه القيادة لا تبالي بشيء كعادتها!
المعاملة النفسية السيئة التي طالت الشاب أيمن امتدت آثارها أيضًا إلى أفراد أسرته، ويؤكد فواز الوهباني إن أسرته قد تم منعها من زيارة ابنها طيلة فترة احتجازه، مع أنها حاولت الوصول إليه مرات عديدة، ولكنها لم تستطع أن تراه إلا حين تم استدعاؤها لزيارته وقد قيل لها، عندما وقعت الكارثة، إنه مريض ولا بد من إسعافه ولكنه كان قد مات فعلًا، وكانت صدمة الأسرة كبيرة في هذه الحالة، ولكنها رفضت استلام الجثمان حتى يجيء الطبيب الشرعي ويوضح لهم ما حدث لابنهم على وجه الحقيقة، ولكن هذا الطبيب جاء من طرف قيادة المحور نفسها، فلم يذكر في تقريره مسألة التعذيب إطلاقًا، ولكُم أن تتخيلوا موقف هذه الأسرة وهي تنظر إلى جثة ابنها المظلوم بلا أسباب واضحة أو مذكورة في ملف القضية، بل إن أسرته لم تحصل على أي ملف قانوني فيما يخص التحقيق، وهذا ظلم آخر.
لم تتم مساءلة الجُناة إلى هذه اللحظة، أو تقديمهم للعدالة، وها هي أسرة أيمن الوهباني تطرح شكواها وقضية فقيدها على طاولة رصد لحقوق الإنسان لمساندتها في الوصول لإنصافًا يشفي غليلها، ويعيد الاعتبار لكرامة أيمن الذي لم ترحمه تلك المعاملة القاسية والتصرفات غير القانونية إلى أن قضى رمقه الأخير بداخل تلك الزنزانة السرية التي لا تليق بكرامة السجناء المنسيين فيها منذ زمن.