جلال الدين الخولاني (32 عاماً) ناشط إنساني عمل في عديد من الأنشطة الإنسانية والمبادرات المجتمعية، ولكنه حالياً يقيم في القاهرة خارج بلده ومحافظته تعز، يتلقى العلاج هناك ضد الأمراض والآلام التي أصابته في مناطق مختلفة من جسمه، داخل تلك السجون الخاصة التي تعذب فيها عذاباً قاسياً منذ ساعة اختطافه إلى يوم إطلاق سراحه.
مجموعة من المسلحين أوقفوا سيارته إجبارياً في منطقة النسيرية وسط مدينة تعز، بينما كان ذاهباً لمشاهدة حفل فني في قلعة القاهرة، وأشهروا عليه أسلحتهم، وكانوا ملثمين، وعددهم قرابة العشرة، واقتادوه مقيّدًا لا يرى شيئًا داخل سيارته نفسها إلى سجن خاص أي غير قانوني، وهو عبارة عن مبنى مهجور لمواطن فر بأسرته من نيران الحرب في منطقة الروضة، وقد حدث هذا الاختطاف والاحتجاز القسري في الساعة الرابعة عصراً يوم ٢٣ يوليو من العام ٢٠٢١، ومن هنا بدأت مأساة الخولاني.
في أول الأمر وضعوه في حجرة خاصة إلى العاشرة مساءً ثم أخذوا يحققوا معه بترهيب وابتزاز إلى الوقت الأخير من الليل، كما قاموا هنا بضربه وتهديده وسلبه ممتلكاته الشخصية التي وجدوها بحوزته، وصادروا سيارته أيضاً، وبعدها أخذوه فجراً، مكبلاً ومغمض العينين على متن سيارة لم يعرف نوعها ولا شكلها، إلى مكان مجهول، ليبدأوا التحقيق معه بشكل عنيف يخلو تماماً من معايير حقوق الإنسان، وأمّا تلك العصابة العسكرية التي قامت باختطافه واحتجازه قسرياً، ومارست التعذيب بحقه طيلة شهرين كاملين، فهي تابعة للواء ١٧٠ دفاع جوي المنضوي تحت قيادة محور تعز العسكري التابع للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ومن أفرادها أسامة القردعي وهمّام مرعي وغيرهم.
أنت ملحد، وأنت علماني عميل لمنظمات أجنبية، ومرة اتهموه بأنه ماسوني، ومغتصب أطفال، وقد كالوا له اتهامات عديدة، وكان إذا استنكرها مدافعا عن ذاته، ينهالون عليه بالضرب والتهديد والوعيد، ومن مكان إلى آخر كانوا ينقلونه، وكان يتعرض للتعذيب في أي مكان يضعونه فيه، وكانت كلها أماكن غير قانونية أو رسمية، بل هي سجون خاصة يتم فيها ممارسة التعذيب بصور وحشية لأشخاص أبرياء، وأصحابها جنود يمارسون الانتهاكات الجسيمة تحت يافطة أمن الدولة وحماية الوطن!
يشكو الخولاني من آثار التعذيب التي نالت منه نفسياً وجسدياً، وهي ليست بقليلة أو غير خطيرة، ولكنها مؤلمة وعميقة وكثيرة، وقد جعلته بلا عزم تجاه حياته، ولكنه لا يزال يقاوم هذه الحالة الصعبة، آملاً أن يتعافى منها، وأن ينال الفاعلون عقابهم العادل، فالتعذيب الجسدي استمر شهراً كاملاً، إذ كان يتم التحقيق معه بقسوة وفظاظة وعنف متعدد الأساليب، مع عدم أي احترام لِكرامته الشخصية، لقد ضربوه بالعصي، وعذّبوه بأسلاك الكهرباء، وأعقاب البنادق، وأدّى هذا التعذيب إلى إصابته في فقرات عموده الفقري، بل إن قلبه تضرر هو الآخر بفعل الضرب الشرس، وهنالك إصابات في أعضاء أخرى، وعلى الدوام كان يُركَل، ويُلطَم، ويُزدرَى، ويتجرّع سموم تهديداتهم المُخيفة، ولم يكن هذا مُحتمَلاً بالنسبة إلى قدرته وقواه الجسدية والنفسية، وإن خرج ناجيًا من الموت في نهاية المطاف.
كما أنهم كانوا يقومون بتجريد جسمه من ثيابه ويلتقطون صوراً له غير لائقة البتة، ويبتزّونه بنشرها إذا لم يرضخ لطلباتهم الحقيرة، كما وصفها هو شخصيًا، ولا يزال هذا التهديد مستمراً إلى اليوم، وفي مرات عديدة كانت ملابسه الداخلية تتسخ وتبتل بالدم الذي يسيل منه نتيجة التعذيب الوحشي، كذلك عانى من تهديدهم له بالاغتصاب، فهم لا يبالون بقدسية حُرْمة الجسد إطلاقاً، أما التعذيب الجسدي فقد توقف في الشهر الثاني من اختطافه وبدأ التعذيب النفسي على نحو فظيع، وهو أشد خطراً وإيلاماً من التعذيب الجسدي، وهكذا كانوا يعذّبونه بأشكال مختلفة، متلذّذين برؤية كرامته وهي تنسحق أمامهم، حتى إنهم لم يمنحوه ولو ساعة للاستراحة من عملية التعذيب، أو فرصة للاتصال بأسرته، أو مساحة صغيرة يدافع فيها - بلسانه فقط - عن نفسه وشرفه أمام الاتهامات التي راحوا يحاصرون بها سمعته في إسراف كبير.
فالمعامَلة قاسية باستمرار، والاتهامات لا تتوقف، والطعام المقرر له كل يوم لا يزيد عن وجبة واحدة، ولكنها وجبة خفيفة وغير نظيفة البتة، ومياه الشرب لم تكن صحية قط، إنهم لا يقيمون أي وزن لصحته، ولا أي اعتبار لحقوقه البسيطة كسجين أو معتقل لديهم، فكان ينهار أحياناً من فرط الإرهاق والجوع والخوف وضغط الأعصاب، أو يفقد وعيه وتخر قواه من فرط التعذيب، ويُغمى عليه لساعات، ولا يتم إسعافه، وفيما هو تحت هذا الظرف البشع لم يذُق حتى مرة طعم النوم الطبيعي، وعليه رغماً عن أنفه أن يتحطم تحت بطش عصابة من جنود لا تعرف الرحمة، فبكاؤه من ويلات التعذيب لا يوقفهم، ودمعاته وآهاته كانت تفشل أمام قسوة قلوبهم، بل لم تكن لهم أية قلوب أو أمانة أو نزاهة أخلاقية أو خصلة واحدة نبيلة، كما يقول.
بعد هذين الشهرين، أخرجوه من سجونهم الخاصة، وسلّموه إلى البحث الجنائي ليبقى هنا من ٤ أكتوبر ٢٠٢١ حتى بداية نوفمبر ٢٠٢١، ومن بداية نوفمبر إلى نصف ديسمبر ٢٠٢١ ظلَّ في إدارة أمن شرطة المُظفَّر، وتحديداً في غرفة خاصة، وذلك من باب الخضوع للعلاج وحرصاً على سلامته، ولكنه كان يعاني في جميع هذه الأحوال، نفسياً في الغالب، وكذلك كانت أسرته تتألم لحالِهِ طيلة هذه الفترة، إلى أن تم الإفراج عنه نهائياً في بداية العام ٢٠٢٢ في مدينة عدن لينتقل بعدها إلى القاهرة لتلقي العلاجات اللازمة وبحثاً عن بيئة آمنة تحتضن شتاته وتهزم مخاوفه.